«الانهيار المفاجئ».. هل ينقرض نحل العسل في مصر؟

Publish date: 2022-06-23

عشرة أشهر بالتمام والكمال مرت على الانتكاسة التي تعرَّض لها النحال أشرف ربيع طلبة، من محافظة الفيوم، بوفاة أكثر من 50% من خلايا النحل التي يتولى تربيتها، فجأة وبوتيرة متسارعة، ما تسبَّب له في خسائر بالغة فشل في تعويضها.

منحل "ربيع" الذي يضم 900 خلية، تجتمع فيها آلاف النحل لتُخرج العسل ولتتناسل، منتجةً أجيالًا أخرى، مات منها أكثر من 500 خلية خلال أيام معدودة ودون مقدمات.

يقول "ربيع" إنه على مدار 25 عامًا من العمل في تربية النحل كهواية ومهنة متوارثة عن والده، لم يحدث ما تعرَّض له خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة من وفاة كبيرة في خلايا النحل، مؤكدًا أنهم حاولوا التعرُّف على أسباب الوفاة لكنهم فشلوا في ذلك.

مئات النحالين في مصر تعرَّضوا لانتكاسات خلال السنوات الأخيرة، بتعرُّض مناحلهم لوفاة أعداد كبيرة من النحل، ما يهدد باختفاء النحل في مصر، وفق ما أدلوا به لـ"للعلم"، مرجحين أن هناك 3 أسباب رئيسية، هي: "المبيدات الجهازية، وشبكات المحمول، ومرض النوزيما الذي يتغذى على الدهون الخاصة بالنحل ولا علاج له"، بالإضافة إلى اختفاء سلالات مصرية مقاوِمة لهذه الأمراض مثل سلالة لاماركا بي، في ظل عدم وجود أي محاولات من الجهات البحثية والدولة لمواجهة هذا الخطر.

ويبدأ موسم إنتاج العسل من النحل من أزهار محاصيل الموالح في شهر مارس من كل عام، بينما يبدأ إنتاج العسل من محصول زهرة البرسيم في مايو من كل عام؛ إذ تحتل مصر المرتبة الثانية عربيًّا بعد الجزائر فى إنتاج عسل النحل، مُتراجعةً من أعلى مستوى لها بعد أن كانت الأولى في الترتيب فى ثمانينيات القرن الماضي.

ومع ذلك يبدو أن المشكلة تتجاوز المنطقة العربية إلى دول العالم المختلفة، إذ أكدت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، في تقرير لها صدر في مايو 2019، أن التراجُع العالمي في أعداد النحل يشكل تهديدًا خطيرًا لمجموعة واسعة من النباتات الحيوية لرفاه الإنسان وسبل عيشه، وينبغي على البلدان بذل المزيد من الجهد لحماية هؤلاء الحلفاء الرئيسيين في محاربة الجوع وسوء التغذية.

وأوضح التقرير أن أعداد النحل تشهد تراجُعًا كبيرًا في أجزاء كثيرة من العالم، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى الممارسات الزراعية المكثفة، والمزارع الأحادية، وفرط استخدام المواد الكيماوية الزراعية، وارتفاع درجات الحرارة المرتبط بتغيُّر المناخ، مما يؤثر على غلة المحاصيل والتغذية على حدٍّ سواء.

وقال نحالون من 4 محافظات (أسيوط والفيوم والدقهلية والقليوبية)، التقتهم "للعلم": إن معظم نحالي مصر تعرَّضوا لهذه الانتكاسة بصورةٍ ما، دون معرفة السبب بصورة جازمة، مؤكدين أن عدم وجود متخصصين في النحل تَسبَّب لهم في أزمة ودفعهم إلى الاعتماد على الخبرة فقط في التعامل مع الأمراض والأزمات، موضحين أن البعض يُرجع السبب إلى المبيدات، والبعض الآخر إلى التغيرات المناخية وشبكات المحمول.

النحال أيمن أبو مريم من قرية الهوارية، بمركز دمنهور بمحافظة البحيرة، الذي تعرَّض لانتكاسة فقد فيها أكثر من 70% من خلايا النحل التي يملكها. يؤكد "أبو مريم" أنه مع بداية شهر يناير 2019 والدخول في فصل الشتاء فقد 65 خلية نحل من إجمالي 115 خلية كان يملكها، موضحًا أنه كان يفقد خليتين وأكثر كل أسبوع دون أي أسباب واضحة يعرفها، مشددًا على عدم وجود متخصصين أو إرشاد زراعي يدعمه في اكتشاف سبب هذه الوفيات الكبيرة، واتجه إلى مواقع التواصل الاجتماعي ومنصات مجموعات "النحالين" الفعالة عليها للتعرُّف على السبب.

ووفق "أبو مريم" فإن النحالين في مصر يعتمدون على محصولين رئيسيين بعد تراجُع محصول القطن في مصر، وهما محصولا البرسيم والموالح، وهو ما دفعه إلى نقل خلايا النحل الخاصة به إلى منطقة الدلنجات بمحافظة البحيرة، بالقرب من محاصيل الموالح، وذلك في الأشهر الأربعة الأخيرة من عام 2018.

ويقوم النحالون في مصر بنقل خلايا النحل من محافظة إلى أخرى وفق المحاصيل الزراعية التي يعتمد عليها النحل في إنتاج العسل.

يوضح "أبو مريم"، أنه لجأ إلى الجميع لإنقاذه من أزمته التي تزيد بمرور الوقت، مؤكدًا أنه نفذ كل التوصيات والمحاولات لإنقاذ خلايا النحل، لكنه فشل في النهاية، وموضحًا أنه تواصل أيضًا مع باحثين في النحل، لكنهم اختلفوا في الأسباب المؤدية إلى هذه المشكلة، وبعضهم ذكر أن السبب وراء ذلك هو مرض نوزيما سيرانا، وهو مرض توطَّن فى أغلب مناحل دول العالم، ويصعب القضاء عليه.

ويضم مركز البحوث الزراعية في مصر معهد وقاية النباتات، الذي يضم قسمًا لبحوث النحل، لكنه -وفق مزارعين ونحالين- ليس له أي إسهامات في دعم النحالين بتنفيذ دراسات للكشف عن أسباب وفاة النحل بصورة متكررة، وإيجاد حلول لأمراض منتشرة بصورة كبيرة قضت على مناحل كاملة.

معاناة مصطفى خلاف عبد الرحمن صاحب الـ34 عامًا، من قرية العقال البحري بمركز البداري أسيوط، خريج كلية الزراعة، امتدت على مدار عام ونصف تقريبًا، بداية من نهاية 2017 إلى منتصف 2019، خسر فيها 85 خلية نحل من إجمالي 140 خلية يملكها.

 يقول "خلاف" إنه تنقل بخلايا النحل الخاصة به إلى أكثر من منطقة خلال عام ونصف، بدأت من وادي النقرة بمحافظة أسوان جنوبي مصر في أكتوبر 2017، ثم مركز البداري بأسيوط في بداية مارس 2018، وبعدها إلى مركز الدلنجات بمحافظة البحيرة في 20 مارس 2018، ثم العودة مرةً أخرى إلى مركز أبنوب بمحافظة أسيوط، وأخيرًا نقل الخلايا لموسم البرسيم في قرية المسعودية بمركز أبو تيج بأسيوط، ومن هنا بدأت الأزمة منذ سبتمبر 2018.

يوضح "خلاف" أنه بالعودة مرةً أخرى إلى مركز البداري في فصل الشتاء، وبالتحديد مع بداية شهر أكتوبر حتى شهر مارس 2019، تعرَّض لانتكاسة كبيرة بفقد خلايا النحل بصورة يومية، دون معرفة السبب الحقيقي وراء هذه الوفيات.

وخلية النحل عبارة عن بيت خشبي يسكنه النحل، ويجتمع فيه أفراده ليخرج العسل ولتتناسل منتجةً أجيالًا أخرى، ويتولى بناء هذا القفير ورعايته شخص يدعى النحال، وتتألف الخلية الواحدة من سداسيات داخلية، وكل سداسي من تلك السداسيات يدعى قرص العسل، وتتشكل السداسيات من مادة شمع العسل.

وخلال عام 2019، صدَّرت مصر -وفق تقرير رسمي حصلنا على نسخة منه- ما يزيد على 473 طنًّا من العسل إلى 7 دول، وهي: "السعودية والمغرب وتونس ولبنان والكويت وسنغافورة وإندونيسيا".

أبحاث علمية تكشف الأسباب

لا توجد دراسة بحثية واحدة كشفت عن الأسباب التي تقف وراء وفيات طوائف النحل، لكن هناك عدة دراسات تناولت أسبابًا عديدة وراء ما أطلق عليه "الانهيار الجماعي للنحل"، أُولاها دراسة لمجموعة باحثين من جامعتي القاهرة والفيوم نُشرت في 2017 تحت عنوان "مراجعة لتأثير درجات الحرارة والرطوبة على مختلف أنشطة نحل العسل".

وأوضحت نتائج الدراسة أن مستعمرات نحل العسل تواجه حاليًّا العديد من التحديات، تشمل عوامل حيوية وغير حيوية، منها تأثيرات العوامل اللاأحيائية (بشكل أساسي درجة الحرارة والرطوبة النسبية) على أنشطة نحل العسل، وخفض طول العمر بنحو يوم واحد في النحل الذي يعاني من الحرارة.

وذكرت دراسة أخرى تحت عنوان "المبيدات الحشرية في حبوب اللقاح ومستعمرات النحل في مصر"، أجراها 4 باحثين منهم الدكتور يحيى النجار الباحث بكلية العلوم جامعة طنطا، و3 باحثين آخرين من كندا، أن عوامل الإجهاد وعوامل أخرى -تتضمن المبيدات الحشرية- تزيد من خسائر نحل العسل.

وبحثت هذه الدراسة المنشورة في دورية إيكوتوكسيكولوجي Ecotoxicology، أحد إصدارات مجموعة سبرنجر " springer" في عام 2018، لأول مرة في العسل وحبوب اللقاح والنحل التي يتم جمعها من جميع أنحاء دلتا النيل في مصر في كلٍّ من مواسم الزراعة في فصلي الربيع والصيف لعام 2013، وتأثرها بمبيدات النيونيكوتينويد "neo nics"الحشرية باستخدام نهج تقييم المخاطر بناء على معايير الـ"دي 50"، وهي معايير علمية يتم فيها اختبار المادة الكيماوية داخل جسم الحيوان بناءً على حجمه بالكيلوجرام.

وانتهت الدراسة إلى أنه بتحديد نسبة من المادة الكيماوية لكل كيلوجرام، الخاصة بكل مبيدات النيونيكوتينويد على حدة، وبتجربتها على النحل العامل والنحل الحاضن، وجد أن هناك نسبة خطر على النحل الحاضن إذا كان الحد الأدنى من معيار الـ"دي 50" يطابق أقصى تركيز لمبيد النيونيكوتينويد. أما بالنسبة للتعرُّض غير القاتل، فقد كان هناك نسبة خطر ملحوظة في أسوأ الحالات للنحل الحاضن، لكن تأثير التعرُّض الحقيقي على أرض الواقع يترتب على عوامل وراثية خاصة بالنحل المصري والسلالة التي يتم تحديدها.

وفي أول دراسة على الإطلاق لرسم خريطة للنحل البري في الولايات المتحدة، أصدرتها جامعة فيرمونت الأمريكية بقيادة الباحث "إنسو كوه" عام 2017، "كشفت عن اختفاء النحل في أهم المزارع في 23% من ولايات أمريكا، وهو ما يهدد إنتاج المحاصيل، خاصةً في المناطق من الوادي المركزي في كاليفورنيا، إلى حزام الذرة في الغرب الأوسط ووادي نهر المسيسيبي".

وتشير الدراسة إلى أن المبيدات الحشرية وتغيُّر المناخ والتلوُّث والأمراض تهدد النحل، ولكن تدهورها قد يكون بسبب تحويل موائل النحل إلى أراضٍ زراعية، موضحةً أنه في 11 ولاية رئيسية تُظهر الخريطة انخفاضًا في النحل، وأن مساحة الأراضي المزروعة بالذرة ارتفعت بنسبة 200% خلال خمس سنوات، لتحل محل الأراضي العشبية والمراعي التي كانت تدعم مجتمعات النحل. ويقول باحثون مشاركون في الدراسة إن المزيد من الانخفاضات في النحل قد يعني ارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي، وزيادة أسعار المواد الغذائية للمستهلكين، وزيادة خطر سوء التغذية في بعض البلدان النامية.

توهان النحل

 ياسر يحيى إبراهيم، أستاذ تربية النحل المساعد في كلية الزراعة بجامعة القاهرة، وعضو شبكة "coloos" للنحل، التي تضم أكثر من 1300 عالِم وباحث في مجال تربية وعلوم النحل، أكد أن هناك عدة أسباب وراء وفاة طوائف النحل بصورة كبيرة خلال السنوات الأخيرة.

وأوضح "يحيى إبراهيم" أن آخر دراسة شارك فيها مع مجموعة علمية على مستوى العالم، في منظمة "coloos" للنحل كانت في 2015، أجروا خلالها مسحًا سنويًّا لمربي النحل باستخدام إحدى الاستبانات، بهدف جمع المعلومات من عينة تمثيلية على المستوى الوطني من مربي النحل، قدروا خلالها نسبة الفقد أو الخسارة في تعداد طوائف النحل، كشفت عن أن نسبته في مصر وصلت إلى 21%.

وأشار إلى نتائج دراسة بكلية الزراعة جامعة القاهرة، شارك فيها، وجاءت تحت عنوان "دبور البلح وتأثيره على طوائف النحل"، أكدت أن متوسط الفقد في تعداد طوائف النحل تتراوح من 36% إلى 54% بسبب "دبور النحل"، موضحًا أن الجمعيات الزراعية منذ سنوات كانت تصطاد ملكات دبور النحل مع بداية موسم الربيع، وهو ما يجعل تأثيره على المناحل أقل، لكن الآن لا توجد جمعيات زراعية مهتمة بهذا الأمر؛ لأن الجميع يعتبر أن النحل صناعة مكملة وليس أساسية.

السبب الرئيسي الآخر -وفق "يحيى إبراهيم"- هو طفيل "الفاروا"، الذي يتغذى على النحل في مرحلة مهمة من عمره وهي "العذراء"، وهو طور ساكن يسهل لـ"الفاروا" اختراق النحل فيه، موضحًا أن أطوار النحل هي "بيضة، فيرقة عذراء، فحشرة كاملة"، ينتج عنها "ملكة أو شغالات أو ذكور".

وأشار أيضًا إلى دراسة نشرها الموقع الرسمي لشبكة "coloos" حول هذا المرض في مصر في عام 2017، وكيف يتسبب تأثيره في إنتاج طوائف نحل مشوهة، بالإضافة إلى أنه ينقل بشكل رئيسي فيروسات كثيرة، موضحًا أنه لا يوجد اهتمام بالفيروسات التي تصيب النحل، ولا توجد دراسة واضحة لمدى انتشار هذه الفيروسات؛ لكون هذه الأبحاث مكلفة.

 الخطر الأكبر مرض النوزيما سيرانا، فوفقًا لنحالين، وكذلك لما أدلى به الدكتور ياسر إبراهيم، الذي كان ضمن فريق بحثي بقيادة الدكتور أحمد الشيمي في كلية الزراعة بجامعة القاهرة، أثبتوا -في دارسة بحثية في عام 2014 ارتكزت على إجراء تحليل دقيق لعينات من النحل من محافظات كفر الشيخ والفيوم وأسيوط- وجود مرض النوزيما سيرانا في مصر.

لكن "إبراهيم" أكد أن جهةً أخرى -وهي قسم بحوث النحل بوزارة الزراعة المصرية- ترفض رفضًا تامًّا الاعتراف بوجود هذا المرض، على الرغم من وجود أسانيد علمية على ذلك، بحجة أن الاعتراف بوجوده في مصر سيضر تصدير طرود النحل إلى الخارج. ويشدد "إبراهيم" على تأثُّر خلايا النحل بالموجات الكهرومغناطيسية الناتجة عن الهواتف المحمولة ومحطات الضغط العالي.

"المبيدات الحشرية أيضًا عامل خطير يؤثر على طوائف النحل"، يؤكد "إبراهيم"، الذي أوضح أنه على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي بضغط من جميعات النحالة هناك، أصدر قرارًا بوقف استخدام مجموعة المبيدات التي تدعى "neo nics" لمدة 3 سنوات في دول الاتحاد الأوروبي، موضحًا أن الشركة المسؤولة عن تسويقها في مصر ترفض نهائيًّا القول بتأثيرها على النحل. وشدد "إبراهيم" على أن هذه المجموعة من المبيدات ثبت علميًّا أنها تبقى وتتراكم في الرحيق بمعدلات عالية، ما يؤثر على بروتينات المخ للنحل، المسؤولة عن ذاكرة النحل المعروفة بقوتها على المدى القصير، ما يتسبب في ظاهرة يسميها المربون في مصر بـ"توهان النحل".

لكن العامل الذي اعتبره "إبراهيم" لا يقل أهميةً عن سابقيه هو أن مهنة النحالة في مصر تسير بالمثل الشعبي المصري الذي يقول إن "النحل يورث ولا يُدرس"، بالإضافة إلى عدم وجود كيانات تجميعية قوية كجمعيات مربي النحل. وطالب بتطبيق قانون الزراعة في مصر رقم 53 لسنة 1966، الذي يحظر إنشاء محطة لتربية ملكات النحل إلا من خلال وزارة الزراعة، وإيجاد منظومة لحصر الأصول الوراثية في مصر، موضحًا أنه كان لمصر سلالة معروفة، إنتاجها ضعيف لكن مقاومتها للأمراض والآفات عالية جدًّا؛ لأن دورة حياتها في فترة العذراء قصيرة، وكانت موجودة في منطقة ساحل سليم، بمحافظة أسيوط جنوب مصر، إلا أنها اختفت وأصبحت غير موجودة الآن.

وشدد "إبراهيم" أيضًا على أن قانون الزراعة يمنع استيراد ملكات النحل إلا بترخيص من وزير الزراعة، لكنه أوضح أن هناك الكثير من ملكات النحل تدخل عن طريق التهريب إلى مصر، وهو أمر في غاية الخطورة؛ لتأثيره على احتمالية نقل مرض أو فطر إلى الأراضي المصرية، مؤكدًا ضرورة وجود برنامج واضح لتقييم حالة النحل في مصر في التوقيت الحالي، وتقييم الأصول الوراثية وكفاءة الإنتاج، ووضع معايير جديدة للنحالين، واستخدام بدائل للتغذية؛ لعدم توافر التزهير في بعض المناطق، وإعادة تنظيم تربية النحل في مصر عن طريق متخصصين.

تلوث حبوب اللقاح

محمد هجرس، النحال المصري وخبير تربية النحل، أشار في حديثه لنا إلى ما سمَّاه "الانهيار المفاجئ النحل"، الذي يعني موت خلايا النحل بصورة مفاجئة، وبنسبة قد تصل إلى 100%.

أوضح "هجرس" أن هناك عدة أسباب وراء ظاهرة الانهيار المفاجئ للنحل، لكن لم يتم تحديد السبب الرئيسي فيها، موضحًا أنه من ضمن هذه الأسباب تلوُّث حبوب اللقاح التي يجمعها النحل من المحاصيل، لتلوُّثها بالمبيدات الجهازية (يمكن لهذه المبيدات النفاذ الى داخل النبات والوصول إلى عصارته الداخلية)، وتلوُّث مياه الترع التي يشرب منها النحل.

بالإضافة إلى ذلك فهناك أمراض تهاجم خلايا النحل، وفق ما ذكر "هجرس"، من بينها "الفاروا" وهو مرض منتشر في مصر منذ عام 1989، وهو عبارة عن عنكبوت يتطفل على النحل ويتغذى على السائل أو العصارة الموجودة في بطنها، ما يتسبب في انهيار الخلايا، مؤكدًا أن طريقة علاج هذا المرض لا يُطبقها النحالون في مصر بالطريقة الصحيحة.

وأوضح أن علاج مرض "الفاروا" يكون عبر برامج متكاملة، وهي "المكافحة المتكاملة للآفات"، لكن في مصر لا يتم تطبيق هذا البرنامج العلاجي، ويتم الاعتماد على المكافحة بمبيدات "الأكاروسات"، وهو خيار خطير من المفترض ألا يلجأ إليه النحال إلا مع فشل كل الخيارات الأخرى، المتمثلة أيضًا في المكافحة الميكانيكية، لافتًا إلى أن المكافحة بالمبيدات تلوث العسل والشمع المنتَج، وترفضه دول أوروبا.

 لكن المرض الأخطر -وفق خبير النحل المصري- هو مرض "النوزيما"، وهو فطرٌ يتغذى على دهون النحل، ما يتسبب في فقدان النحلة لمناعتها، موضحًا أنه يوجد نوعان من هذا المرض: الأول هو "نوزيما أبيس"، والنوع الثاني هو مرض "النوزيما سيرانا"، وهو مرض ليس له أي علاج حتى الآن. واتفق "هجرس" مع النحالين حول عدم وجود جهة في مصر مسؤولة عن النحل ومواجهة الأمراض، مؤكدًا أنه من المفترض أن يكون هناك جهة مسؤولة عن فحص عينات من المناحل وإعطائها ترخيصًا، وأن يعني هذا الترخيص عدم وجود أمراض في المنحل، وفي حال وجود أي أمراض يتم إبلاغ هذه الجهة لاتخاذ الإجراءات اللازمة، لكن ما يحدث هو إعطاء التراخيص بتحصيل الرسوم دون فحص. وأشار إلى أن بعض الأمراض تنتشر وتتوغل وتتسبب في انهيار مناحل قرية كاملة أو مركز، ولا يعرف النحال الجهة التي يلجأ إليها، بالإضافة إلى عدم وجود تطبيق للأعمال البحثية في المناحل، فهي للترقية فقط، على حد قوله.

وشدد "هجرس" على ضرورة أن يحصل النحال على رخصة مزاولة المهنة، وأن يخضع لبرنامج تدريبي متكامل، لافتًا إلى عدم وجود قاعدة بيانات بعدد النحالين أو المناحل، وما يوجد مجرد أرقام متضاربة، وهو ما يجعل الجهات الدولية تُحجم عن تمويل المناحل في مصر، على حد قوله.

التغيرات المناخية

رمضان داوود، كبير نحالي الصعيد المصري، قال في مقابلة مع "للعلم": إن تقديرات حجم الوفيات في خلايا النحل خلال الفترة الأخيرة قدرت بـ40%، موضحًا أن أبرز أسباب الوفاة هو تغيُّر المناخ، ومرضا نوزيما سيرانا والفاروا، موضحًا عدم وجود أي دعم من الدولة للنحل.

وقال "رمضان": إن الجهات المسؤولة أهملت المناطق المعزولة، مما تسبب في ضياع السلالة المصرية، وأصبح جميع النحل عبارة عن هجين، كما لا توجد رقابة على المنتجات الخاصة بالنحل، لافتًا إلى أن هناك أزمة أخرى متمثلة في عدم وجود رقابة على المزارع التي تستخدم المبيدات الحشرية السامة للنحل، وأيضًا عدم وجود جهة تمثل النحال كنقابة للنحالين. على عكس ذلك في دول أخرى كثيرة، وفق "رمضان"، الذي أشار إلى أن دولًا كثيرة يوجد فيها تمثيل للنحالين بنقابة شرعية ومحطات تشرف على إنتاج الملكات وتطوير السلالات، ودعم مادي أو فني للنحال.

وأوضح كبير النحالين، أن هناك خوفًا كبيرًا لدى النحال المصري من حدوث انهيار في المناحل، مثلما حدث العام الماضي، وخاصةً مع دخول فصل الشتاء، وبعد تعرُّض النحالين لخسائر وصلت إلى 60% في مناحلهم العام الماضي، دون تحرُّك أي جهة مسؤولة -خاصة وزارة الزراعة- للبحث عن أسباب الانهيار والانتكاسات التي تعرَّض لها النحالون.

ووجه "رمضان" عدة أسئلة للجهات المسؤولة، خاصة وزارة الزراعة، عن دور قسم بحوث النحل والميزانية المخصصة له وأين تذهب؟ وهل هناك مختبرات لفحص فيروسات النحل؟ أو موظفون لفحص عينات النحل، للتعرُّف على الأسباب الحقيقية وراء الوفيات الكبيرة في النحل.

إستراتيجية للمواجهة

قال محمود عمر، رئيس قسم بحوث النحل بوزارة الزراعة: إن الآونة الأخيرة شهدت ظاهرة موت النحل، أو ما يسمى بظاهرة اختفاء النحل، التي انتشرت بدرجة واسعة في معظم دول العالم، ومنها جمهورية مصر العربية.

وأرجع "عمر" انتشار هذه الظاهرة -وفق الدراسات- إلى عدة أسباب: أولها تورط أبراج الهاتف المحمول، وظاهرة الاحتباس الحراري والتغيُّرات المناخية، وإصابة النحل بفيروس الشلل وكثير من الأمراض الأخرى، وكذلك الإفراط في استخدام المبيدات الحشرية والأسمدة الصناعية، وجميعها قد يؤثر في الجهاز العصبي للنحلة أو تسمُّمها عبر رحيق الأزهار. ولفت إلى أن الأمر يحتاج إلى كثير من الدراسات وتكاتُف كثير من الأجهزة للوقوف على هذه الظاهرة وحماية طوائف النحل؛ لإسهامها بدرجة كبيرة ومباشرة في زيادة إنتاجية المشاريع الزراعية وجودتها.

 يشير تقرير رسمي صادر عن قسم بحوث النحل، إلى أن عدد الطوائف في مصر يقدر بنحو مليوني طائفة تُربى فى خلايا خشبية حديثة، ونحو 100 ألف طائفة نحل مصري مرباة فى خلايا بلدية (أو ما يطلق عليه القفير وتصنع من القصب أو القش المجدول)، وأن السلالات المرباة في مصر هي السلالة الكرنيولية وهجنها، وهي الأكثر انتشارًا في المحافظات، وكذا السلالة الإيطالية وهجنها، إلى جانب السلالة المصرية المحلية والمنتشرة في موطنها الأصلي في جنوب الصعيد.

وأكد التقرير وجود 4 مناطق معزولة، إحداها في محافظة الوادى الجديد، والثانية في محافظة الدقهلية (مركز المنزلة) وتختصان بتربية وإكثار السلالة الكرنيولية، والثالثة بمحافظة السويس لتربية السلالة الإيطالية، والرابعة بواحة سيوة بمحافظة مطروح لتربية السلالة المصرية، والتي لها أهمية كبرى في عمليات التحسين الوراثي؛ لتميُّزها بصفة المقاومة لأمراض النحل، وزيادة الطلب على ملكاتها من بعض الدول الأوروبية مثل ألمانيا.

وتوجد 3 محطات تربية الملكات لتربية الملكات العذاري والملقحة وسد حاجة المربين والمصدرين منها؛ لتحسين إنتاجية مناحلهم، وتوجد تلك المحطات في محافظات الوادي الجديد وشمال سيناء وقسم بحوث النحل بالدقي بمحافظة الجيزة.

يشير رئيس قسم بحوث النحل إلى أن المشكلات والتحديات التي تواجه تربية نحل العسل في مصر، تتمثل في 5 تحديات أساسية، وهي ضعف السلالة المرباة، ووقف استيراد ملكات نقية من دول المنشأ لاستخدامها في التحسين الوراثي للسلالات المحلية منذ عام 1969، مما أدى إلى ظهور صفات غير مرغوبة نتيجة التربية الداخلية، ووجود بعض الأمراض والآفات التي تصيب طوائف نحل العسل وتهاجمها، وعدم اتباع المربين لتوصيات قسم النحل بالعلاج والمكافحة باستخدام المواد الآمنة للمحافظة على منتجات النحل من التلوث.

وأوضح "عمر" أن من المشكلات الاستخدام العشوائي للمبيدات، خاصةً في أثناء تزهير المحاصيل الرحيقية، وعدم وجود تعاوُن بين المربين والمزارعين، وعدم الاهتمام بالمنتجات الثانوية؛ لعدم وجود مناحل متخصصة لتحسين دخول المربين. لكنه أكد في الوقت ذاته وجود إستراتيجية وطنية لحماية النحل في مصر، متمثلة في 12 نقطة رئيسية، وهي وضع برنامج للتحسين الوراثي لسلالة نحل العسل فى مصر على أسس علمية حديثة، وإكثار ونشر السلالات المحسنة وراثيًّا على المربين والمصدرين، وزيادة الكفاءة الإنتاجية لمحطات تربية الملكات الموجودة بالوادي الجديد وشمال سيناء وقسم بحوث النحل بالدقي؛ لسد حاجة المربين والمصدرين من تلك الملكات المحسنة وراثيًّا، وتدعيم تلك المحطات بالملكات المستوردة والمنسبة وراثيًّا.

وأشار "عمر"، إلى أنه جارٍ العمل على حصر شامل للأمراض والآفات الموجودة بالمناحل، ووضع برنامج علمي لعلاج تلك الأمراض والآفات ومكافحتها، والاهتمام بالتدريب لرفع كفاءة المربين وشباب الخريجين في إدارة المناحل، وتطوير وتجهيز معمل لتكويد الأعسال وتحليلها قبل طرحها بالأسواق؛ للحفاظ على جودتها ورفع سمعتها محليًّا وعالميًّا.

 وعلى الرغم من وجود أبحاث أكدت وجود مرض النوزيما سيرانا في مصر، إلا أن رئيس قسم بحوث النحل أكد عدم التثبت من وجوده حتى الآن، موضحًا أن هناك أبحاثًا جارية، وأنه تم نشر فرق بحثية في مختلف المحافظات للتأكد من ظهور المرض في مصر من عدمه.

ncG1vNJzZmivp6x7tK%2FInqWtoZaesKK5xKugnJmeY7CwuY6aqZqamZh8or7TopqlnaNku6bD0miqrpyUmrtur86lo5qoo5p6or7EZp%2BoppWueqOxxKxknrCknrukwIyipWadl669tXuLZWNlZFxheQ%3D%3D